الأربعاء، 29 يناير 2020

مدنية قرطاج : تأسيسها، نهضتها، أهميتها

 تأسيسها
تقول الأسطورة إنّ الأميرة علّيسة (ديدون) جاءت من صور بفينيقيا وأسّست سنة 814 ق.م "مدينة جديدة" (قرط هدشت بالفينيقية)، أصبحت على مرّ الزمان عاصمة ثريّة لإمبراطورية بحريّة انتشر أسطولها التجاري في كامل حوض البحر الأبيض المتوسط الغربيّ، قبل أن تزاحمها منافستها ثمّ عدوّتها روما وتحلّ محلّها وتتمكّن أخيرا من إخضاعها والاستيلاء عليها وتهديمها سنة 146 ق.م.
ولمّا ألحقت قرطاج بالإمبراطورية الرومانية، أعيد بناؤها في عهد أكتافيوس أوغسطس في أواخر القرن الأوّل ق.م، فزوّدت بما تمتاز به مدينة رومانيّة كبيرة من بنى تحتيّة حضريّة وبنايات عموميّة دينيّة ومدنيّة ومساكن فخمة.
انطلاقتها ونهايتها
وفي ظلّ " السلم الرومانيّة"، غدت قرطاج عاصمة إداريّة وثقافيّة وفنّية لمقاطعة أفريكا، فعاشت فترة من الازدهار الكبير وبلغت درجة عالية من الترف وشهدت حركة إبداعيّة ثقافيّة وفنيّة قويّة، قبل أن يصيبها التقهقر الذي أصاب الإمبراطوريّة الرومانيّة عند أفول نجمها وتعرّضها للاضطرابات والغارات والغارات المضادّة على مدى قرنين (الخامس والسادس)، فتعاقب عليها عهد الوندال ثمّ عهد البيزنطيّين.
وفي القرن الثامن استولى الفاتحون العرب على أفريكا، فكان ذلك إيذانا باندثار قرطاج، فظلّت مهجورة طيلة قرون وأضحت مستودعا لمواد البناء الجاهزة للاستعمال، سواء في مدن البلاد الأخرى أو فيما وراء البحر الأبيض المتوسط.


نهضتها
وفي نهاية القرن التاسع عشر، انتصبت الحماية الفرنسية على تونس، فعادت الحياة إلى آثار الحاضرة القديمة، واستقرت بها بالخصوص بعض المجموعات الدينيّة. وشيّدت مبان لسكنى الشخصيات الرسميّة والمغتربين المترفين، وسرعان ما التحقت بهم برجوازية تونس العاصمة، بل وحاشية الأسرة المالكة إذاك،حيث ابتنت قصورا للاصطياف.
وبعد الاستقلال وإعلان الجمهورية سنة 1957، عادت قرطاج مركز الثقل في البلاد، إذ احتضنت القصر الرئاسيّ.
من هذا الماضي الطويل والمجيد، لم تبق لنا إلاّ بعض البقايا الجميلة، وقرون من السلب والنهب، والتمدين الذي ظلّ، لمدّة طويلة، خارجا عن أيّ تقنين، فأتت على الجانب الأوفر من هذا الموقع الذي يمسح 306 هكتارا.
زيارتها
العهد البوني
من العهد البوني ورثنا، على جنبات ربوة بيرصا، حيّا سكنيّا (القرن الثاني ق.م.) هو حيّ حنّبعل. وعلى طول الشاطىء، أخرجت إلى النور آثار حيّ أقدم منه يسمّى حيّ ماجن، وراء أسوار المدينة.
كما ورثنا حوض الميناء العسكريّ مع جزيرة صغيرة، في وسطها مركز القيادة البحريّة، حيث يمكن تبيّن تراصف السفن الحربيّة، وكذلك جزء من الحوض التجاريّ.
وعلى مقربة منه " الطوفت" وكان مكرّسا للإلهين الحاميين لقرطاج : بعل حمّون وتانيت. ومازال هذا المقام يستقبل مجموعة من الأنصاب التذكاريّة والمرمدات الجنائزيّة، كما احتفظ بالمذبح الذي كانت تقدّم فيه القربان، وبعضها بشرية،كما تقول الرواية القديمة.
وأخيرا، فانّ المقابر الكبرى التي اكتشفت في مواضع مختلفة من الموقع زوّدت المتاحف، وخاصّة متحف قرطاج، بلقى ثمينة تعدّ شهادة على مظاهر عديدة من حياة القرطاجيّين في العهد البوني.

العهود الرومانيّة واللاحقة
ومن العهد الرومانيّ بقي عدد أكبر من المعالم.ففي قمّة ربوة بيرصا (التي تسمّى أيضا الأكروبول) توجد بعض الأسس العميقة وبعض الأجزاء من أعمدة ومن جدران، تعطينا فكرة عن روعة الفوروم وعظمته.
أمّا الآثار الأخرى المنتشرةكتلا كتلا على مسافة شاسعة شمال غربيّ الأكروبول فهي:
-
مواجل المعلّقة، وهي أكبر المواجل في العصور الرومانية القديمة ، وكانت تزوّد قرطاج بالماء المجلوب من عيون زغوان، على بعد 70 كلم، بواسطة قنوات الحنايا،
-
المدرّج الذي عذّبت فيه القدّيستان بربتو وفيلستي في القرن الرابع،
-
الملعب الذي لا يبين إلاّ تخطيطه.
وفي شماليّ الأكروبول، غير بعيد عن جامع العابدين، الذي شيّد مؤخّرا على موقع عمارات تعود إلى العهد الاستعماريّ، توجد :
-
بازيليكا داموس كاريطا (القرن الرابع)،
-
المسرح الذي أعيد ترميمه وتأهيله لاستقبال مهرجان قرطاج الدوليّ،
-
حيّ الأوديون الذي يحتوي على بقايا منازل وإعادة تشكيل لمسكن يسمى منزل المطيرة.
وفي اتجاه الشرق على شاطىء البحر، توجد :
-
حمّامات أنطونينوس ومنتزه أثريّ يحتوي، بالإضافة إلى المنشآت الاستحماميّة التي تعدّ من أوسع ما بني منها في القرن الثاني، على آثار لعدد كبير من البنايات : مساكن ومعابد تنتمي إلى عصور مختلفة وقبور يعود بعضها إلى العهد البونيّ.
وتنتشر في الموقع، هنا وهناك، معالم منعزلة (بازيليكا القدّيس قبريانوس، ومنهل الألف جرّة، ومعبد جونون، والمنازل المسيحيّة القديمة) وبداية الحنايا والمواجل الضخمة، الخ
المتحفان
يحتضن متحفان جانبا كبيرا من اللّقى التي عثر عليها على عين المكان، طيلة حملات الحفريّات التي امتدّت أكثر من قرن وشملت جميع عهود تاريخ قرطاج : المتحف الأوّل والأهمّ هو متحف قرطاج الوطنيّ، والثاني هو متحف الآثار المسيحيّة المبكّرة
أهمية قرطاج:

نمت قرطاج بسرعة نظرًا لموقعها في شبه جزيرة، ولميناءيها الممتازين. وكان أحد الموانئ ـ وهو الذي كان يقع داخل جدران المدينة ـ كبيرًا بما يكفي لإيواء المئات من السفن الحربية. وخضعت .معظم أنحاء الشَّطر الشمالي الغربي لإفريقيا وجنوبي أسبانيا وسردينيا وكورسيكا والشطر الغربي من صقلية لحكم قرطاج. وكان سكان قرطاج أكثر اهتمامًا بالتجارة من غيرها كالفتوحات
جميع الحقوق محفوظة © 2013 موسوعة مدرستنا
تصميم : يعقوب رضا